تكليف الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس زعيم الليكود بنيامين نتنياهو لتشكيل الوزارة الاسرائيلية الجديدة يعني عودة اليمين المتطرف الى دائرة صنع القرار مجددا، واتباع نهج جديد ربما يقود الى سلسلة من الحروب والاضطرابات في المنطقة بأسرها.
العملية السلمية في صورتها القديمة التي استمرت طوال السنوات الخمس الماضية على الاقل قد تكون اولى ضحايا هذا التكليف، فنتنياهو عارض اتفاق اوسلو بشراسة، ومفاوضات كامب ديفيد الثانية، مثلما عارض وما زال يرفض حل الدولتين، ولا توجد في برنامج حزبه الذي فاز على اساسه بسبعة وعشرين مقعدا في الكنيست اية اشارة الى الانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة.
نتنياهو طالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حزبي 'كاديما' و'العمل' الى جانب تكتل الليكود الذي يتزعمه من اجل مصلحة اسرائيل وشعبها، ووضع ايران وبرنامجها النووي على قمة الاخطار التي تهددهما، الامر الذي يعني ان حكومته هذه في حال نجاحه في تشكيلها، سواء بالائتلاف مع الاحزاب اليمينية المتطرفة، او مع كاديما و'العمل'، ستكون حكومة حرب، وليست حكومة سلام.
قرع طبول الحرب ضد ايران ربما يكون القضية الاساسية على رأس جدول اولويات حكومة نتنياهو المقبلة، ولذلك علينا ان نتوقع حروبا صغيرة قد تسبق الحرب الاساسية هذه، اي شن عدوان جديد على قطاع غزة، على امل تحقيق ما فشلت فيه الحرب الاخيرة، اي القضاء على حركة 'حماس' وفصائل المقاومة الفلسطينية الاخرى.
فزعيم الليكود توعد بسحق حركة 'حماس' اذا ما وصل الى قمة السلطة، وتدمير البرامج النووية الايرانية، والقضاء بالكامل على حزب الله في جنوب لبنان، ومثل هذه الخطط تجد مساندة كاملة من احزاب اليمين، وخاصة 'اسرائيل بيتنا' الذي يتزعمه افيغدور ليبرمان.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال انه لن يتعامل مع اي حكومة اسرائيلية لا تعترف بمسيرة السلام وحل الدولتين، وقال انه لن يقبل بالعودة الى المربع الأول، وبدء المفاوضات من مرحلة الصفر، وهذا يعني اغلاق الباب امام حكومة نتنياهو قبل ان تتولى السلطة رسمياً.
نتنياهو قال صراحة انه يؤيد 'السلام الاقتصادي' اي تحسين اوضاع الفلسطينيين المعيشية، في الضفة الغربية في ظل الاحتلال الاسرائيلي، اي انه لن يقدم على سحب أي من قواته، ولن يفكك اي مستوطنة قائمة، بل سيعمل على توسيعها، وبناء المزيد من المساكن فيها، بحجة مواجهة النمو السكاني الطبيعي فيها.
الادارة الامريكية الجديدة تلتزم الصمت حتى الآن، وتكتفي بمراقبة الوضع وجمع المعلومات، قبل ان تبلور اي سياسة جديدة، ومن الصعب التكهن بكيفية تعاملها مع حكومة نتنياهو في حال اصرارها على برامجها الانتخابية المعلنة. ومن الحكمة انتظار زيارة مبعوثها جورج ميتشيل الثانية الى المنطقة، المقرر لها ان تبدأ غداً وتشمل القدس المحتلة ورام الله.
الطرف الفلسطيني سيكون المتضرر الاكبر من اي حكومة يشكلها نتنياهو، سواء كان السلطة في رام الله، او الحكومة المقالة في قطاع غزة، الامر الذي يتطلب اعادة النظر في كل المواقف السابقة، والعمل بشكل جدي من اجل تحقيق المصالحة الوطنية، لرص الصفوف في مواجهة ما يمكن ان يقدم عليه نتنياهو من مغامرات عسكرية.
وحدة الصف الفلسطيني اذا ما تمت بشكل جدي ستسهل محاولات ردم هوة الخلافات العربية، واعادة اللحمة مجدداً الى الصف العربي، الامر الذي يجعل حجم المسؤولية على الطرفين الفلسطينيين المتنازعين أضخم بكثير مما كان متصوراً في السابق.
qca