يبدو ان شهر عسل الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما مع حلم التغيير قد اختزل الى بضعة ايام او انتهى قبل ان يبدأ، خاصة، فيما يتعلق بوجود قوات الاحتلال الامريكي في العراق وافغانستان، فضلا عن الموقف المستنسخ عن ادارة بوش فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وتدل معطيات اسابيع اوباما الاولى بأن حلم التغيير بات يتحول، تدريجيا، الى كابوس سياسي واقتصادي.
فبالنسبة الى العراق وافغانستان، الذي وعد الرئيس اوباما بتغيير العلاقة معهما عسكريا، عن طريق سحب بعض القوات الامريكية من العراق وإعادة نشرها في أفغانستان، التي وصفها أوباما، إلى جانب الجارة باكستان، بـ'الجهة المركزية في الصراع ضد الإرهاب والتشدد'، أعلنت الادارة الامريكية يوم 9 شباط (فبراير) الحالي، عن تأجيل قرارها بسحب عدد من قواتها في العراق وذلك بحجة ان الرئيس اوباما بانتظار أن تقدم وزارة الدفاع الأمريكية 'البنتاغون' تفاصيل أكثر اليه حول مخاطر ومضامين القرار الذي سيتخذه، وهو تصريح يتناقض مع التصريح القائل بان القوات الأمريكية 'قلقة بشأن تردي الأوضاع الأمنية في أفغانستان'، ويتناقض بشكل سافر مع التصريحات العسكرية الامريكية وتصريحات ما يسمى بالحكومة العراقية عن تحسن الاوضاع وتزايد القدرة العسكرية والامنية للقوات العراقية.
ولابد ان الرئيس اوباما، الذي تم تقديمه اثناء حملته الانتخابية باعتباره السوبرمان المنقذ للحزب الديمقراطي وامريكا والعالم، انتبه حالما وصل البيت الابيض وجلس خلف مكتبه الجديد واحاط به المستشارون، الذين لايختلفون كثيرا في عقليتهم ومنظورهم السياسي عن مستشاري الادارة السابقة، الى استحالة الوعود التي اطلقها في غيبوبة الحملة الانتخابية ونشوة الاحتفال الترحيبي الكبير بقدومه. فبدأ التراجع المنمق يسود الخطاب السياسي المقدم الى العالم، كالآتي:
' غير أن المناقشات الجارية حالياً مع كبار القادة العسكريين ووزير الدفاع، روبرت غيتس، أظهرت أن الرئيس يرغب في معرفة خيارات أخرى والتفاصيل الكاملة للأخطار المترتبة على أي من هذه الخيارات'. والخيارات المعنية هي تحديد مدة الانسحاب من العراق حسب تدرج سنوي معين، لتغطية الخيار الحقيقي أي عدم الانسحاب. وفي ساحة التنافس على ابقاء القوات الامريكية بين الجهات الإستعمارية أو ربيباتها العراقية او الافغانية، بات الطلب عاليا مقابل القدرة الامريكية على التزويد بالجنود، مما دفع وزير الدفاع الافغاني عبد الرحيم ورداك، اخيرا، الى الاعلان بان مقاتلين أجانب يتدفقون إلى أفغانستان قادمين من العراق، ونقلت صحيفة 'انترناشونال هيرالد تربيون' عن ورداك قوله ان حركة طالبان كانت تضم حوالي 15 ألف مسلح إلا أن أعدادهم ازدادت بسبب انتقال مقاتلين أجانب إلى أفغانستان قادمين من العراق الذي شهد انخفاضا في مستويات العنف، حسب الصحيفة.
وهو تصريح يمكن فهمه على مستويين . فاما ان عدد المقاتلين الاجانب كبير جدا ويتمتعون بقوى خارقة بحيث تمكنوا، على الرغم من كل عمليات القتل والقصف والاعتقال المستمر من قبل قوات الاحتلال الامريكية، على مدى ست سنوات تقريبا، من الصمود والتنقل السريع متى واينما شاؤوا أو ان اكذوبة المقاتلين الاجانب قد تم تضخيمها لصالح الاحتلال الى حد صار من ساعد في اختلاقها تصديقها. واعتقد ان المستوى الثاني هو الاصح لانه يتماشى مع السياسة الامريكية في ضرورة تصنيع وترويج العدو الوهمي لاحكام السيطرة على الناس من خلال ابقاء سيف التخويف والترويع مسلطا على رؤوسهم دائما. ففي بداية غزو العراق، ساهم تصنيع القاعدة وربطها المفاجئ بالنظام السابق على تبرير غزو العراق وتخريبه. وما ان بدأت مقاومة الشعب العراقي تنزل ضرباتها بالمحتل وعملائه حتى صارت كذبة المقاتلين الاجانب البسملة لكل تصريح او مقالة او برنامج مسموع او مقروء. ولأن الامريكي، عموما، مهووس بفكرة الارهابي الذي يغار من طريقة واسلوب حياته، اصبح من الطبيعي ان تقوم اجهزة الدعاية العسكرية المرتبطة، غالبا، باجهزة الاعلام العامة بتطوير صورة الارهابي لتندمج بالمقاتل الاجنبي واضفاء صفات تمنحها صفات الشر والقوة وسرعة الحركة. وهي صورة، قد تبدو لبقية سكان العالم كاريكاتيرية لا تصلح لغير افلام المغامرات الهوليوودية، غير انها، في الواقع، سهلت على الادارة الامريكية الحصول على ميزانيات امنية وعسكرية، خيالية، بحجة الدفاع عن امن وسلامة الامريكي ضد حشود الارهابيين والقاعدة والمقاتلين الاجانب الاسلاميين المتطرفين، بعد ان تلاشى بعبع الشيوعية الذي استوطن الذاكرة الجماعية الامريكية لعدة عقود.
فما هو عدد المقاتلين الاجانب في العراق المحتل وكيف سيكون بامكانهم تغيير ميزان القوى عبر انتقالهم من العراق المحتل الى افغانستان ومع وجود قوات الناتو وآلتها العسكرية الضخمة والعملاء الافغان وغيرهم؟
انه سؤال تتفادى الاجابة عليه معظم التقارير الرسمية والمؤسساتية الامريكية واجهزة الاعلام بينما تركز بشكل خاص على التأكيد على وجودهم . حيث تخبرنا ليزا مايرز، من وحدة تحقيقات قناة أن بي سي في 20 حزيران 2005، بان القناة درست حالات 400 مقاتل من 21 دولة عربية واجنبية. وتشير احدث دراسة قام بها مركز مكافحة الارهاب، قسم العلوم السياسية، في الأكاديمية العسكرية الامريكية وست بوينت في نيويورك، ونشرت بتاريخ 7 كانون الثاني (يناير) 2008، بان معظم ' الارهابيين' هم من دول حليفة لامريكا وعلى رأس القائمة المملكة العربية السعودية.
وتستند الدراسة في تحليلها على وثائق عثرت عليها قوات الاحتلال في كمبيوتر يعود للقاعدة، اثناء غارة عسكرية امريكية على مدينة سنجار على الحدود السورية غرب العراق. وقد وفرت المعلومات، المحفوظة في الكمبيوتر، للباحثين والمحللين، حسب الدراسة، فرصة نادرة للاطلاع على تحركات 'الارهابيين' الاجانب الى العراق. وكم اتمنى لو تتاح الفرصة للقراء لزيارة موقع الاكاديمية والاطلاع على التقرير، بانفسهم، وخاصة ' الوثائق' التي يدعي المسؤولون انهم عثروا عليها في ' كمبيوتر القاعدة' في مدينة سنجار. والطريف في الامر، ادعاء قوات الاحتلال عثورها على استمارات يملأها الاجنبي عندما يتقدم لطلب العمل 'كأرهابي'. وهي استمارات تفصيلية ومنظمة، على 'الارهابي' ان يقدم فيها اسمه الكامل وعشيرته واقاربه وتاريخ ولادته ورقم هاتفه النقال بالاضافة الى هاتف بيته وتاريخ تقديمه الطلب وتاريخ دخوله العراق واسمه الحركي والشخص الذي سيرتبط به. وتصف الاستمارة العمل بان استشهادي. وملحق بكل استمارة صورة حديثة وبنوعية ممتازة 'للارهابي'. وأتحدى ان تملك أية دائرة عربية رسمية مثل استمارة طلب العمل المرتبة والانيقة هذه.
لا يشير التقرير الى عدد المقاتلين، على الرغم من كونه تفصيليا فيما يخص البلدان العربية والاسلامية المصدرة لهم. وقد أكد التقرير، خلافا للعديد من التقارير السابقة، على كثرة عدد 'الارهابيين' من شمال افريقيا. وهي مسألة قد تبدو محيرة للوهلة الاولى الى ان نعلم بان الكشف عن هذه الاعداد من شمال افريقيا يأتي متزامنا مع تأسيس البنتاغون قيادة عسكرية جديدة في افريقيا تهدف الى 'مساعدة الدول الافريقية في محاربة الارهابيين الاجانب'. وماذا عن عدد المقاتلين؟ يقول انطوني كوردسمان من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية: 'ان الاعداد تقديرية فحسب، وليست هناك طريقة لمعرفة من هو عراقي او غير عراقي من بين الناس المتنقلين بين سورية والعراق'.
وكانت اول دراسة عن المقاتلين الاجانب قد كتبها باحث اسرائيلي هو 'روفين باز'، في عام 2005. وتفضح احصائيات قوات الاحتلال عن عدد المعتقلين العراقيين ومن باقي الجنسيات اكذوبة العدد الكبير والتأثير المبالغ فيه للمقاتلين الاجانب. اذ تشير احصائيات المعتقلين في سجون الاحتلال الى وجود 25 الف معتقل عراقي من بينهم 290 مقاتلا من البلدان العربية اي بنسبة واحد بالمائة تقريبا، وقد تكون أكثر من نسبة العرب القاطنين في العراق أنفسهم، وهي نسبة ضئيلة بكل المقاييس ولاتقارن بعدد العراقيين وبقية العرب والمسلمين الذين انضموا الى المقاومة الفلسطينية في بداية تأسيسها لمحاربة المحتل الصهيوني. ولاتقارن بعدد ' الارهابيين' الاوربيين والامريكيين، ومن بينهم الروائي المشهور ارنست همنغواي، الذين حاربوا مع الشعب الاسباني ضد فاشية فرانكو في الحرب الاهلية عام 1937. فقد بلغت أعداد الكتائب الأممية وقتها 32 الفا من المتطوعين الأجانب من 52 دولة حاربوا في الصف الجمهوري الذي خسر المعركة وقتها بسبب الدعم الألماني والإيطالي لفرانكو وتلكؤ الغرب في دعم الجمهورية الديمقراطية وحلفائها اليساريين. ولا تزال ذكريات ذلك التطوع والتضحية في قضية الحرية العادلة، بعد أكثر من 70 عاما، موضع فخر لإصحابها وعوائلهم كما هي حالات التضامن في العالم أجمع.
فهل مشكلة الادارة الامريكية هي تنقل المقاتلين الاجانب الشبحي من بلد الى آخر ام ان المشكلة الحقيقية هي فشلها في القضاء على مقاومة الشعب العراقي والشعب الافغاني على الرغم من كل القوة العسكرية الهائلة المتوفرة لديها والميزانية الكبيرة ووجود المستخدمين من العملاء؟
ان نسج الوهم العنكبوتي حول وجود وأعداد ومسؤولية المقاتلين الاجانب عن تخريب جهود بناء 'الديمقراطية في العراق الجديد' لايزال ساري المفعول، اعلاميا. وهو ضروري جدا للادارة الامريكية الجديدة، كما القديمة، ليبقى ابتزاز العالم والرأي العام الامريكي في شن الحروب الامبريالية مشرعنا، وليتم انكار وجود اية مقاومة ضد الاحتلال والهيمنة الاستعمارية في العراق وفي اي مكان آخر في العالم.
' كاتبة من العراق