هناك تراجع واضح في حركتنا التحررية ضد الاحتلال، فقد صرح الجنرال بيتراوس بأنه تمكن من احراز بعض النصر بالاعتماد على ثلاثة عوامل هي: ادخال 30 الف جندي اضافي في الحرب، اعلان الهدنة من قبل جيش المهدي، وانضمام الالوف من افراد العشائر في مجالس الصحوة. ثم نقلت 'نيويورك تايمز' تعليقات العسكريين الامريكان بأن ((الدولار كان اهم سلاح في اخماد المقاومة)).
هناك اذن ضرورة لاعادة النظر في خططنا لمنع استعمار العراق بصورة دائمية، وذلك خاصة بعد تصريح روبرت غيتس امام مجلس الشيوخ، بعد أن عينه اوباما وزيراً للدفاع، بالقول ((ان بقاء جيوشنا في العراق لسنوات عديدة ضروري... )) ان هذا التصريح يلغي، دون شك، نصوص الاتفاقية بين بوش والمالكي حول خروج الأمريكان نهاية 2011. هذه الحقائق تواجه مقاومتنا المثابرة وتجبرها على التعلم من تجاربها ثم تبديل خططها لتحقيق استراتيجيتها الثابتة، الا وهي تحرير البلاد. طبعا هناك قضايا الميدان والخاصة بالحركات الفعلية التي لنا الثقة بالمقاومة في حلها بعد توحيد صفوفها ورفع زخم هجماتها. فالعدو مصاب بفقدان الثقة بالنفس، اذ انتشرت الامراض العقلية بين جنوده وارتفع عدد المنتحرين منهم. ثم ان اندفاع الامريكان لانتخاب اوباما اكد بدوره رفضهم لجرائم بوش، فلا يستطيع
اوباما رفع معنويات جيشه بسهولة. لكن توحيد صفوف المقاومة يتم بتوثيق علاقتها بأغلبية الشعب، الا أن بعضاً من ابناء شعبنا مازالوا يحملون افكاراً سلبية ورثوها من الاخطاء التي ارتكبناها منذ ثورة 14 تموز. لنذكر بعض هذه الافكار التي تؤجج التناقضات في صفوفنا وتمنعنا من رفع شأن المقاومة:
1ـ قبل كل شيء يسيطر عملاء الاحتلال على قيادة الحزبين الكرديين. انهما يستخدمان الدعاية الشوفينية لخدع الاكراد ومنعهم من مقاومة العدو المحتل. انهما يمتنعان حتى من التعاون الكلي مع جواد المالكي ويستفيدان من ضعفه لتوسيع رقعتيهما. ثم انهما يوقعان العقود مع شركات النفط بالرغم من تصريح حسين الشهرستاني حول عدم شرعيتها.
والذي يدعو الى التفاؤل هو أن الشعب الكردي ادرك اكاذيب الحزبين واقتنع بان قيادتيهما تعملان على خزن المليارات بل وارسالها الى الخارج للاستثمار. كل هذا ادى الى انعزالهما بل الى انشقاق حزب الطالباني وانتشار الخلافات الداخلية بين اطراف عائلة البرزاني الحاكمة. مع هذه التطورات في ظروف الاكراد ما هي مسؤوليات المقاومة تجاههم؟ اليس من الضروري أن تدرك الاكثرية العربية اهمية مشاركتهم في الوحدة الوطنية بغية رفع شأن المقاومة؟ وماذا عملت هذه الاكثرية في معالجة الشرخ الواسع الذي تكون بينها وبين الشعب الكردي نتيجة تطرف الحكومات العراقية في حروبها ضد الحزبين؟ الم تعط تلك الحروب الحجة لهما لحث الاكراد على الانضمام في صف الاستعمار والصهيونية؟
الم تشجعهم على محاربة اشقائهم العرب؟
بلى ! اذن لقد آن الاوان لقيام الشعب العربي بمحاسبة نفسه والاسراع في مد يده لشقيقه الكردي بغية توسيع رقعة المقاومة لتشمل كل العراق.
2- لكل شيء نقيضه ونقيض الشوفينية الكردية هي الشوفينية العربية التي انتشرت مع استمرار الحروب بين الشعبين الشقيقين. ليست الشوفينية غريزة موروثة بل انها تتكون في ذهنية الجهلة، يغذيها اصحاب المصالح والطبقات الحاكمة لتحقيق اغراضها المادية وخاصة اثناء الحروب بحجة الدفاع عن الوطن او القومية. هذا ما فعله الحزبان الكرديان بتشجيع الاستعمار والصهيونية المعروفة بعمق شوفينيتها. وهذا ما اوجدته الحكومات العديدة عند الكثيرين من العرب. فشعارات مثل ((العراق جزء من الامة العربية)) او((امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة))، خاصة حين تم رفعها في المناطق الكردية، جاءت كسلاح مفيد ليستخدمه الحزبان لخدع الأكراد وعزلهم عن العرب. غني عن القول ان هذه العبارات العاطفية لا تحل ولا تربط ولا تنقذنا من شيء. لكن الكثيرين مازالوا يرددونها دون الاكتراث بأن المستعمرين قد نجحوا في تفتيتنا!
علينا أن نستيقظ وندرك بأن الرسالة الخالدة لم تنقذنا من الاحتلال. ثم أن هذه الشعارات فشلت حتى في انقاذ فلسطين من الصهيونية. لقد شاهدنا كيف وقفت الحكومات العربية مع العدوان الاسرائيلي على غزة العربية. أفليس الاجدر بنا التحرر من هذه العبارات الرنانة والتركيز على كون العراق بلد موحد وملك للجميع بغض النظر عن اللغات التي نتكلمها؟ كلنا ندرك بأن العرب هم الاكثرية في العراق، كما ندرك بأن اكثر من 90' من العراقيين مسلمون. فالتركيز على عروبة العراق او اسلاميته لا يختلف عن ((تفسير الماء بعد جهد جهيد بالماء)). فالعرب والاسلام ليسا في خطر بل العراق كله في خطر محدق، فالذين دخلوا على متن الدبابات الامريكية يعملون الآن على تفتيته الى فدراليات بغية السيطرة على ثرواته النفطية. ثم ان التركيز على مصلحة احدى القوميات، عربية كانت ام كردية، دليل على عدم ادراك الظروف الذاتية الخاصة بالعراق ويعزز سياسة التفرقة العنصرية التي نحن في غنى عنها. حان الوقت لانقاذ انفسنا من الافكار المفرقة، القومية منها والطائفية، بغية التركيز على توحيد الشعب لرفع شأن المقاومة. فالعراق، بعربه واكراده وتركمانه ومسيحييه وصابئته، بحاجة ماسة وآنية الى الاستمرار في النضال ضد الاحتلال الذي سيدوم. كلا لا يتم اتحادنا برفع الشعارات المخدشة لشعور مكوناتنا. بل اكثر من ذلك اننا بحاجة الى كسب الشعوب الاخرى كالسوريين والاتراك الذين يعانون من الاضطهاد الاستعماري مثلنا.
3- لقد استخدم المستعمرون الطائفية لتفريقنا. لم تكن لهذه البدعة اثر يذكر في بلدنا ولكنهم جلبوا معهم رهطاً غريباً عن تقاليدنا من امثال الحكيم والجعفري والربيعي، اؤلئك الذين تعاونوا مع الشاه قبلاً. لقد ردد هؤلاء، دون حرج، بأن الشعب مقسم الى سنة وشيعة وكرد بل اكدوا على أن للمرجعية من امثال السيستاني حق التدخل في اخذ القرارات السياسية حتى بعد أن رفض هذا الاخير شرف الحصول على الجنسية العراقية. كما جمع المستعمرون رهطاً من عملائهم السنة في الحزب الاسلامي لاشعال الفتنة بين ابناء الشعب الواحد. فنشبت الحرب الاهلية، وفي اقل من ثلاث سنوات فشلت الحركة الدينية، بسنتها وشيعتها، بعد أن تم قتل مليون عراقي وترك اربعة ملايين بيوتهم لتجنب الموت. من الجهة المقابلة ان الكلام عن كون السنة في العراق اكثر عدداً من الشيعة، كما صرح السيد عبدالسلام الكبيسي، عضو هيئة علماء المسلمين، يجعلنا نبقى متأثرين بدعاية المحتلين، ومعزوفتي ((الاكثرية الشيعية والمثلث السني)). ما الذي استفدناه من هذه التفرقة؟ ان اول درس نستخلصه هو استثناء الدين عن السياسة ورفض المحاصصة الطائفية وتبني العلمانية في صراعنا التحرري. فالعلمانية وحدها تستطيع الحفاظ على وحدة النسيج العراقي المتكون من السنة والشيعة والمسيحيين والصابئة واليزيديين والارمن. نعم هكذا تم تطريز العراق الذي حافظ على جماله منذ القدم.
4ـ هناك ايضاً ضرورة التغلب على التناقضات الثانوية للتركيز على الرئيسية منها. لقد نال بوش موافقة الكونغرس لصرف 300 مليون دولار على الدعاية للسياسة الامريكية في العراق وحرف الانظار بتوجيه الحقد ضد ايران. تشارك اطراف عراقية في تحقيق ذلك بالالحاح على كون ايران عدوتنا وغرضهم الغمز للمستعمرين لتسليم الحكم لهم لقاء تعاونهم لضرب ايران. نعم هناك تناقضات بين العراق وايران.
انها برزت،عمداً، بمبادرة الشاه حين دفع الحزب الكردي بقيادة الجنرال الايراني ورهام لاسقاط حكومة قاسم الفتية. والمؤسف ان الثورة الايرانية، التي انهت الاحتلال الامريكي، لم تنجح في تكوين جبهة بين افغانستان وايران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين لمحاربة الاستعمار والصهيونية وحل التناقض الرئيسي بين هذه الشعوب واعدائها. لقد بدأت الحرب العراقية الايرانية التي أدت الى حرب الكويت واحتلال امريكا للمنطقة.
ثم هناك امكانية التفاهم بين اوباما وايران لأن الازمة الاقتصادية الامريكية الحالية قد تجبرها على تأجيل تنفيذ سياستها التوسعية التي تشمل احتلال ايران. ولمنع هذا التفاهم، الذي سيكون على حساب العراق، من الضروري تفادي التناقضات الثانوية بين الجارتين وتوحيدهما مع سورية ولبنان وفلسطين لتحريرالمنطقة وانقاذ الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني. هناك امكانية اكيدة لطرد المحتلين ولكن ليست هناك امكانية مقاطعة ايران الملتصقة جغرافياً بالعراق ولها، على مدى القرون، علاقات عائلية واقتصادية ودينية معه. علينا ان نعترف بعدم استطاعتنا الحرب في جبهتين. فاما نحارب ايران او نقف معها ضد العدوان الامريكي. وهذا ايضاً يعني تجنب التناقضات الثانوية بين الجارتين. فالاجدر بنا أن نكسب الشعب الايراني ونمنعه من الوقوع في فخ العدو. علينا الكف عن الثرثرة حول العدو الفارسي او العدو الصفوي ومقاطعة الابواق المأجورة التي توجه المتكلمين، عمدا، ضد ايران. هذه هي باختصار الخطوط العامة لوحدة الشعب ودفعه لرفع شأن المقاومة الباسلة. فلنتحد لتحرير العراق وطرد المحتلين من المنطقة كلها.
' اكاديمي عراقي مقيم في لندن
91
[center]