كثير من الزعماء 'غير العرب' تمنيناهم ان يكونوا عربا، في زمن القحط والهوان الذي نعيشه حاليا، بعضهم افارقة مثل نيلسون مانديلا، وبعضهم امريكيون لاتينيون مثل هوغو تشافيز رئيس فنزويلا، واليوم نضيف ضيفا جديدا الى قائمة تمنياتنا اسمه رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا.
السيد اردوغان طاف بالمنطقة العربية لاثارة نخوة الزعماء العرب، وحثهم على التصدي للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، والبحث عن طريقة لوقف المجازر التي يتعرض لها العزل الذين يقصفون بالصواريخ من الجو والبحر والبر، في ظل حصارخانق وانعدام كل اسباب الحياة الأساسية. ومن المؤسف انه لم يجد اي نخوة او كرامة لدى معظم الزعماء العرب الذين التقاهم.
بالأمس طفح كيل السيد اردوغان، وكشف عن معدنه الاسلامي الاصيل، عندما شن هجوما غير مسبوق على الدولة العبرية وقياداتها، واعلن دون تردد انحيازه الى اشقائه الذين تذبحهم آلة الدمار الاسرائيلية في قطاع غزة، وذّكر اليهود بأن الامبراطورية العثمانية الذي هو احد احفادها وفرت لهم الحماية عندما تعرضوا للقتل والاضطهاد، وقال انهم الآن يطحنون عظام الابرياء والاطفال ويديرون ظهورهم لكل ثقافات التعايش.
واكد امام اجتماع لحزبه ان ما يجري حاليا في قطاع غزة هو بقعة سوداء في تاريخ اليهود والانسانية عامة.
هذا الكلام الذي يصدر عن زعيم دولة تركية علمانية تريد الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، واقامة علاقات وثيقـــة مع الغــرب، لم يصـــدر عن اي زعيم عربي مـــن دول الاعتدال او الممانعة على حـــد سواء، لانهـــم ما زالوا يمسكون العصا من الوسط، ويخشون سطوة اللوبي الاسرائيلي والغضب الامريكي.
من المؤسف ان جميع الذين يتحركون حاليا لوقف المجازر الوحشية في حق اشقائنا واهلنا في قطاع غزة هم من غير العرب، وكأن هذه الامة غير موجودة على خريطة الفعل، لا بل الخريطة الانسانية، وكأن هذه 'المجازر الوحشية' على حد وصف السيد اردوغان، لا تعني القادة العرب ولا تحرك شعرة كرامة في رؤوسهم.
الزعماء العرب يستطيعون ان يفعلوا الكثير، لو ارادوا وقف هذا العدوان البشع والدموي. فالمملكة العربية السعودية هزت مصداقية اعظم قضاء مستقل في العالم، ومرّغت سمعته في الارض عندما هددت بوقف التنسيق الامني مع بريطانيا اذا لم توقف تحقيقاتها في عمولات ورشاوى صفقة اسلحة اليمامة ، المتورط فيها بعض ابناء الاسرة الحاكمة. اما الجماهيرية الليبية فقد اذلت سويسرا واوقفت النفط عنها، وهددت بسحب الارصدة من بنوكها اذا لم تتوقف الحكومة السويسرية عن مقاضاة احد ابناء الزعيم الليبي بتهمة الاعتداء على بعض الخدم العاملين لدى اسرته اثناء وجوده في سويسرا.
الطائرات الاسرائيلية ذبحت بالأمس اربعين فلسطينيا، معظمهم من الاطفال عندما القت بصواريخها على مدرسة تابعة لوكالة غوث اللاجئين التجأوا اليها طلبا للأمان، بعد ان نسفت بيوتهم في جباليا وبيت حانون ومناطق اخرى. صور اشلاء الاطفال تحرك صخور جبال الهــملايا، ولكن يبدو ان قلوب الزعماء العرب اكثر صلابة، وتحصينا من اي تعاطف مع هؤلاء الضحايا واهاليهم.
دماء هؤلاء في رقبة الرئيس المصري حسني مبارك اولا، ثم كل الزعماء العرب ثانيا، لانهم مصرّون على صمتهم وادارة ظهورهم لهذه المجازر، في لا مبالاة مخجلة.
نقول الرئيس مبارك اولا، لانه يغلق الحدود بالكامل، ويعطي اوامره لقواته التي عزز وجودها على الجانب الآخر، باطلاق النار على كل هارب بحياته واطفاله الى ارض مصر المباركة طلبا للأمان.
لا نريد من الرئيس مبارك ان يرسل الدبابات والطائرات، وان يحارب هذا العدوان الهمجي، وان كان هذا واجبه، فأهل غزة يقعون تحت مسؤولياته القانونية والاخلاقية باعتبارهم كانوا خاضعين للادارة المصرية عندما جرى احتلال قطاعهم، ما نريده فقط ان يفتح الحدود وان يسمح للأطباء والمواد الاساسية بالوصول الى من هم بحاجة ماسة اليها.
باكستان فتحت حدودها للمهاجرين الافغان، طوال العقود الماضية، ويوجد على اراضيها ثلاثة ملايين منهم، والكونغو الفقيرة المعدمة استقبلت مليوني لاجئ، اما السودان، وقبل اكتشاف النفط، فقد استوعب اكثر من اربعة ملايين اريتري واثيوبي وأوغندي.
سورية استقبلت مليوني عراقي، والاردن مليونا ونصف المليون، فلماذا يغلق الرئيس مبارك الحدود بهذه الطريقة الوحشية امام الاطفال والمدنيين، ويتفرج في الوقت نفسه من منتجعه الفخم في شرم الشيخ على الطائرات والزوارق والدبابات الاسرائيلية وهي تطحن عظام الاطفال والنساء؟
هذه ليست مصر التي نعرفها، فأبناء مصر شرفاء شجعان ابطال كشفواعن معادنهم الاصيلة في كل معارك الامة وانتصروا لكل مظلوم وقدموا آلاف الشهداء.
الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لن يرفع الرايات البيضاء، وسيظل يقاوم هذا العدوان الوحشي نفسه، وبصدور ابنائه العامرة بالايمان وقيم العدالة، ومن يراهن على رضوخه للهوان والذل الاسرائيلي يرتكب خطأ فادحا. فهؤلاء هم الذين طردوا الاسرائيليين مهزومين من قطاع غزة قبل خمس سنوات، وهم الذين سيجعلونهم يدفعون ثمنا غاليا في عودتهم الحالية.
انهم 'صفوة الصفوة' يحملون في دمائهم جينات امة عربية اسلامية عريقة، لا يترددون في التضحية، ويرفضون الردة، والتنكر لانتمائهم العربي الاسلامي، رغم الخذلان الذي يواجهونه، من قبل من يملكون الجيوش الجرارة، والجنرالات العظام اصحاب اوسمة الشجاعة الذين لم يخوضوا معركة واحدة.
مرة اخرى نقول ان العالم الغربي سقط في اختبار غزة الاخلاقي، فكيف نتوقع منه ان ينجح وهو الذي ايد العدوان على العراق وصفق لمقتل مليون ونصف المليون من ابنائه، وحصاره قبل ذلك؟ انه عالم منافق مزدوج المعايير لا يمكن الا ان ينتصر للعدوان والنازيين الاسرائيليين الجدد.
ومع هذا النفاق الغربي سقط ايضا حل الدولتين وخريطة الطريق، وعملية انابوليس، ولم يعد هناك الا حل الدولة الواحدة فقط ووفق الثوابت العربية والاسلامية.
نطالب بطرد توني بلير المبعوث الدولي وكل المبعوثين الغربيين الذين لا يدينون هذه المجازر، ويترددون في قول الحقيقة بالطريقة التي يجب ان تقال. اما مسك العصا من الوسط، والتركيز بشكل ممل ومعيب على صواريخ المقاومة وتحميلها مسؤولية ما يحدث مثلما فعل الرئيس الفرنسي ساركوزي فهذا ليس تواطؤا مع العدوان وانما مشاركة فيه.