بدأ الدبلوماسي الامريكي كريستوفر روس بصفته مبعوثا للامين العام للامم المتحدة للصحراء مهامه الجديدة بجولة تشمل المغرب والجزائر وفرنسا واسبانيا لتلمس سبل العودة بالنزاع واطرافه الى طاولة المفاوضات المجمدة منذ اكثر من سنة بعد وصول جولاتها الاربع الى طريق مسدود بتمسك كل من المغرب وجبهة البوليزاريو بمقاربته لتسوية النزاع.
واذا كان نزاع الصحراء، عند اندلاعه قبل اكثر من ثلاثة عقود، عرضة لتجاذب واهتمام دوليين، فإنه منذ بداية تسعينات القرن الماضي، بات حكرا للحسابات الاقليمية وتنافرها او توافقها. ولم يعد محل اهتمام دولي، ليس لان النزاع دخل في مسار تسوية ومفاوضات بل واساسا لان قرار وقف اطلاق النار لا زال ساري المفعول ونزع، ولو مؤقتا، فتيل التوتر والمواجهات المسلحة، وبالتالي لم يعد النزاع يشكل تهديدا للامن والاستقرار الاقليمي او الدولي.
وعدم الاهتمام لا يعني بالضرورة انه ليس على جدول اعمال السياسة الدولية، ان كان في الامم المتحدة او المنظمات الاقليمية او في لقاءات القمم، لكنه اذا ما حضر كان في اخر جدول الاعمال لا في مقدمته، حتى بالنسبة للدول المعنية بالنزاع، ويكتفى بالاعلان عن دعم قرارات الامم المتحدة ذات الصلة.
ومقابل عدم الاكتراث الدولي بالنزاع الاطول عمرا في القارة الافريقية، لم تعد الدول المعنية او المهتمة المتضررة من النزاع على المدى القصير والمتوسط والطويل، وتحديدا هنا دول المغرب العربي، تبدي اهتماما وتبذل جهودا لانجاز تقدم حقيقي في تسوية دائمة ونهائية تنسجم مع مصالح دول المنطقة ومستقبل شعوبها وازدهار واستقرار وتقدم مجتمعاتها.
وكادت ملفات النزاع وتسويته ان تدخل في الادراج المنسية، ولا يفتح منها دوريا الا ملف قوات المينورسيو، لتجديد مهتمها وجمع اموال ميزانيتها، الى ان طرحت مبادرة منح الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية، لتحرك الجمود الدبلوماسي وتعيد للنزاع حضوره الدولي، دون ان تستطيع حتى الان احداث اختراق حقيقي ودائم لهذا الجمود رغم جولات المفاوضات التي شهدتها مانهاست منذ حزيران (يونيو) 2007 بسبب رفض جبهة البوليزاريو والجزائر هذه المبادرة والتمسك باستفتاء تجريه الامم المتحدة لتقرير مصير الصحراويين.
المبادرة المغربية
وتتسم المبادرة المغربية عن غيرها من الافكار او المشاريع او القرارات، التي طرحت او اقرت، لتسوية النزاع الصحراوي، انها لا تدفع نحو هزيمة طرف وانتصار اخر، اذ اعطت للسكان تدبير شؤونهم وحافظت على وحدة المغرب وسيادته على اراضيه عكس الاستفتاء الذي اقرته منظمة الوحدة الافريقية 1981 ثم قرارات مجلس الامن الدولي منذ 1991 والتي خلاصتها اما الانفصال، هزيمة المغرب، او الاندماج هزيمة جبهة البوليزاريو. كريستوفر روس المبعوث الدولي الجديد للمنطقة، وهو الذي يعرفها ويعرف النزاع جيدا بحكم عمله سفيرا لبلاده في الجزائر، يبدأ مهامه في ظل هذه الظروف التي لا يبدو بالافق ان تغييرات على مواقف اطراف النزاع ممكنة الحدوث او ان الاطراف الدولية والاقليمية المؤثرة والتي يراهن عليها اطراف النزاع، تحديدا الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا واسبانيا، سوف تولي النزاع اهتماما يدفع قدما نحو تسويته وحله ليجعله جزءا من التاريخ، لان لهذه الاطراف حساباتها ومصالحها التي لا تحتمل ضغوطا باتجاه الحسم بخطوات عملية اهمها قرار من مجلس الامن الدولي يتبنى بوضوح ودون غموض حلا، يلزم الاطراف بتنفيذه بغض النظر عن موقفها وقد يكون الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية هو هذا الحل ما دامت الاطراف الاخرى لم تقدم بديلا وبالتالي افتقاد التسوية ارضية يمكن انطلاق روس منها لتقريب وجهات نظر الاطراف فقرارات مجلس الامن الدولي لا تشكل هذه الارضية لان كل طرف يقرأ من فقراتها ما يشاء وما يتناسب مع رؤيته ومقاربته للنزاع وتسويته. وروس لا ياتي الى المنطقة وفي جعبته حلا سحريا كما لا يحمل بيده جزرة يغري بفوائدها ولا عصا يهدد بعواقبها، وما دام اي من اطراف النزاع لم يهزم ولم تصل هذه الاطراف الى خلاصة مشتركة ان حلا بينهم متوافقا عليه هو السبيل الوحيد، لن تختلف مهمته عن مهمة سابقيه، في التجوال في المنطقة والدعوة لجولة جديدة من المفاوضات وتقديم تقرير للامين العام للامم المتحدة يغلف تقرير هذا الاخير لمجلس الامن الدولي كل ستة شهور لطلب تمديد ولاية المينورسيو. ولان الاطراف الدولية حتى الان بعيدة عن اقرار حل ملزم فإن الخيار الاخر هو التفاهم بين اطراف النزاع، ان كان تفاهما ثنائيا او بدعم مغاربي، توضع فيه كل الاوراق على الطاولة وتكون نتيجته الاطار الذي يقره فيما بعد مجلس الامن الدولي كحل دائم ونهائي لجراح لا يؤدي الى الموت لكنه يواصل النزيف.
كاتب من اسرة 'القدس العربي'