ما يؤكد مدى سطحية الخلافات العربية، وعدم استنادها الى اي اسباب جوهرية، هو ما نراه حالياً من الغزل السوري المصري، الذي تعكسه التصريحات المتبادلة بين وزيري خارجية البلدين.
فبعد قطيعة امتدت لعامين تقريباً، وحروب اعلامية شرسة، وتسخين امني على الساحة اللبنانية كاد يؤدي الى حرب أهلية، نجح تصريح واحد أدلى به السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية وقال فيه انه سيشارك في مؤتمر شرم الشيخ لبحث اعادة اعمار قطاع غزة، وأكد فيه عزم بلاده تعزيز جهود الحكومة المصرية على صعيد الحوار الفلسطيني، حتى ذابت معظم الخلافات المصرية السورية، وتغيرت اللهجة كلياً، وتوقفت الحملات الاعلامية المصرية ضد سورية التي خرجت عن كل الاعراف وآداب الخلاف.
السيد احمد ابو الغيط الذي كان يقود حملات التأزيم ضد سورية ومحور ما يسمى بدول الممانعة، اشاد فوراً بهذا الموقف السوري وتصريحات السيد المعلم الايجابية، ولن نستغرب عقد قمة ثلاثية مصرية ـ سورية ـ سعودية لتكريس المصالحة، وخلق اجواء جديدة تؤدي الى انجاح القمة العربية المقبلة في الدوحة.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو اذا كانت هذه الخلافات تنتهي بتصريح فلماذا قامت اساساً؟ ولماذا لم يصدر هذا التصريح الايجابي قبل عام او عامين او حتى قبل حرب القمم الاخيرة التي اندلعت في الشهر الماضي، واغرقت جامعة الدول والشعوب العربية في ازمات عاصفة؟
ونذهب الى ما هو ابعد من ذلك ونقول ان الخلافات الفلسطينية كانت ورقة جرى استخدامها من قبل المعسكرين المتصارعين لتحقيق اهداف، وتصعيد خصومات، بل وخدمة اجندات ليست فلسطينية على الاطلاق، الامر الذي يجب ان يفتح اعين بعض القيادات الفلسطينية على هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس.
واللافت ان الحكومتين السعودية والمصرية ظلتا طوال الاشهر الماضية تتهمان سورية ونظام الحكم فيها بخدمة طموحات ايران، وتحذران من نمو النفوذ الايراني عبر البوابة السورية الى المنطقة. الآن توقفت هذه الاتهامات، وهدأت الحرب الاعلامية والسياسية، وسنشاهد عناقاً على شاشات التلفزة، وافتتاحيات تشيد بعصر المصالحات العربي الجديد.
لم يتغير شيء على الاطلاق، سورية ما زالت في المحور الايراني، وحزب الله ما زال يحظى بدعمها، ومكتب حماس السياسي ما زال في العاصمة دمشق، والطموحات الايرانية في بناء قدرات عسكرية ونووية تتصاعد وتقترب من ذروتها.
المصالحات العربية التي تطل برأسها مفيدة، لا شك في ذلك، ولكنها تكشف في الوقت نفسه عن ضحالة النظام الرسمي العربي وانعدام بصيرته، وغرقه في التفاصيل الشخصية والثانوية، والابتعاد كلياً عن الاهداف والخطط الاستراتيجية، وهذا ليس جديداً او مفاجئاً على اي حال.