تسيد مؤتمر ميونيخ نهاية الاسبوع الماضي، موضوعات مهمة حول الوضع في افغانستان والدور الامريكي الذي تميز بعدم الوضوح وارسال رسائل غير واضحة حول زيادة عدد القوات الامريكية في افغانستان او التركيز على ما يعرف بمعركة كسب القلوب والعقول، ولكن الاهتمام البارز كان في تصريحات الرئيس الافغاني حامد كرزاي الذي بات معزولا بل وخائفا من حلفائه واعدائه، فبعد سبعة اعوام في القصر الرئاسي جاءت ادارة جديدة بأجندة جديدة لم تعد مهتمة بطريقة زيه وان كان على الموضة ام لا.
ومن هنا جاءت لهجته الصريحة في الانتقاد التي لم تكن لتظهر اثناء ادارة جورج بوش السابقة باعتباره الابن المدلل لها.
وجاءت تعيينات واختيارات الادارة الجديدة لمبعوث خاص لكل من افغانستان وباكستان وهما دولتان تشكلان اولوية للادارة باختيار ريتشارد هولبروك، عراب مؤتمر دايتون الذي انهى حرب البوسنة ليؤكد هذا التوجه، فقد وصف هولبروك الوضع في افغانستان بالصعب وانه اشد من الوضع في العراق. وكان هولبروك قد وصل باكستان في اول زيارة له كمبعوث خاصة لها ولجارتها الافغانية، حيث تدير الامور في اسلام اباد حكومة موالية لامريكا لكنها ضعيفة.
ولدى حكومة باكستان كما تقول صحيفة 'نيويورك تايمز' جيش جرار لكنه غير مؤهل لمقاومة عدو محلي من القوى الاسلامية، طالبان باكستان والقاعدة. ولاحظت الصحيفة ان في باكستان صورتين الاولى حكومة موالية واخرى عداء شعبي لامريكا يظهر ايضا في برامج التلفزة ومواقف النخبة والرأي العام.
وتعتقد ان ايا من الحلول والعلاجات المقترحة قد لا تكون مفيدة لان الحكومة الباكستانية تقترح حلولا تفك ارتباط الامريكيين او على الاقل تخفي دورهم عن اعين الرأي العام الغاضب.
ويبدو ان منبع الحنق على امريكا متعلق باستراتيجية امريكا التي تراها ناجعة ومهمة في مواجهة القاعدة وهي الهجمات الجوية والطائرات بدون طيار التي تستهدف قادة القاعدة في المناطق القبلية. ولكن السياسة لم تتغير فبعد يومين من تنصيب باراك اوباما قامت طائرتين بدون طيار باطلاق النار على المناطق القبلية، وادت لمقتل 21 شخصا في منطقة وزيرستان. على خلاف ما وعدت به القيادة الباكستانية مواطنيها من ان القيادة الامريكية الجديدة ستكون افضل من سابقتها.
وترى الصحيفة ان عدم شعبية اصف علي زرداري، الرئيس الباكستاني نابعة من استمرار الهجمات الجوية على مناطق القبائل.
ويعتقد الكثير من الباكستانيين ان زرداري قريب من رعاته الامريكيين وانه وافق على مطالبهم لتوسيع العمليات الجوية في المناطق القبلية. وكان الرئيس الباكستاني قد قال في تجمع في بيشاور، المدينة الحدودية مع افغانستان ان الهجمات الجوية لها اثار سلبية. وجاء ظهوره المفاجئ في مدينة تحت حكم طالبان قبل يومين من زيارة هولبروك.
ويعتقد زرداري ان زيارة مبعوث اوباما ستكون مناسبة له لكي يفهم الادارة حول تعقيدات الوضع في باكستان وان الباكستانيين ادرى بالظروف من الامريكيين. وفي الوقت الذي يتفق فيه المسؤولون الباكستانيون مع التقييم الامريكي ان الهجمات ادت لمقتل العديد من قادة القاعدة الكبار الا ان الضحايا المدنيين الذين قتلوا معهم ادى لزيادة المشاعر المعادية للامريكيين.
ويعتقد الباكستانيون ان الانجازات الاستراتيجية قريبة المدى قد تؤثر على المصالح الاستراتيجية ذات المدى البعيد. ذلك ان قتل ناشط من القاعدة وطالبان قد يكون مكسبا الا ان مقتل مدنيين يؤدي احيانا الى اشعال الرأي العام وجعل الكثيرين من ابنائه يتحولون للتشدد.
وتأتي زيارة هولبروك في وقت تقوم فيه الادارة الجديدة بمراجعة المساعدات المالية التي تقدمها للحكومة الباكستانية ويطمح المسؤولون الى تقديم رؤية للزائر الامريكي عن الحاجيات الاساسية، خاصة العسكرية من اجل مكافحة المتشددين من المروحيات والاليات العسكرية الليلية.
ويرى معلقون ان الجيش الباكستاني فشل في التصدي لثلاثمئة مقاتل من طالبان في وادي سوات، ففرقة من 12 الف فشلت في التصدي لعدد قليل من المقاتلين في وادي سوات والتشويش على برامج قائد الحركة التي تعتبر سلاحا فاعلا في تجنيد وتحشيد المقاتلين.
ويرى معلقون ان فشل الجيش كان موضع نقد للقيادة السياسية والعسكرية، وحتى لو ارسلت امريكا تعزيزات عسكرية للجيش الباكستاني فان هناك شكا عميقا داخل المؤسسة العسكرية الباكستانية من النوايا الامريكية. فتصريحات اوباما الاخيرة وان فهم منها على انها جهود تصب في منع الجهاديين من زعزعة استقرار باكستان الا ان المعلقين يرون في زيادة قوات امريكية انها جهود موجهة لباكستان التي تملك سلاحا نوويا.
ويرى ضابط باكستاني نقلت عنه 'نيويورك تايمز' ان ارسال تعزيزات سيحدث فوضى في داخل المناطق القبلية الباكستانية من اجل تجريد باكستان من سلاحها النووي. وكانت الحكومة الباكستانية قد افرجت عن عالم الذرة الباكستاني عبد القدير خان من الحبس الاجباري وهو امر اغضب واشنطن. ويرى معلقون ان العمل جاء ردا على العلاقات الاستراتيجية التي تقيمها واشنطن مع الهند، حيث يرى الباكستانيون ان علاقات واشنطن معهم تكتيكية.
وتظل باكستان شاكة بالدور الهندي في افغانستان، اذ ترى ان العلاقة الوثيقة بين البلدين تهديد لمصالحها. على العموم تنتظر هولبروك مهمة صعبة في المنطقة حيث قال في المانيا ان حلا سحريا لمشكلة افغانستان ليس موجودا.
واشار الى مؤتمر دايتون الذي حل مشكلة البوسنة قائلا انه لا يوجد دايتون في افغانستان مؤكدا ان حل معضلات البلد ستكون طويلة، وكان هولبروك جزءا من وفد عال المستوى في مؤتمر ميونيخ الذي ترأسه جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي، وجيمس جونز مستشار اوباما للامن القومي، والجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة المركزية الجديد. ويرى مراقبون ان تعامل الادارة الجديدة مع المعضلة الافغانية يختلف مع موقف حامد كرزاي الذي وان اعترف بوجود مشاكل الا انه ركز على التقدم الذي حققته حكومته خلال سبعة اعوام الحكم. ولكن الوفد الامريكي تساءل عن الثغرات بين عرض كرزاي للواقع وبين ما هو موجود على الارض حقيقة. مما يشي ان كرزاي لم يعد مفضلا لدى ادارة اوباما التي قد تبحث عن بديل له، ويواجه كرزاي انتخابات عامة في اب (اغسطس) القادم. ولكن تصريحات بترايوس في اليوم الاخير من المؤتمر هي التي جذبت انتباه الحضور والتي دعا فيها لاعادة تشكيل الرؤية التي تأخذ بعين الاعتبار العوامل المحلية وتحسين الاداء الامني قبل التفكير بزيادة عدد القوات الامريكية على الارض. وكان جوزيف بايدن قد ارسل رسائل تعاطف مع كرزاي قائلا انه يواجه معضلات كبرى فيما دعا كل المشاركين الى رؤية جديدة للتعامل مع افغانستان تحدد الاولويات ولا تركز فقط على الحل العسكري.
20