لندن ـ 'القدس العربي': يتوقع ان يعلن الرئيس الامريكي اليوم عن خططه بشأن العراق وجدولة سحب القوات الامريكية من هناك.
وعوضا عن سحب سريع وانتظار حتى عام 2011 حسب الاتفاقية الامنية يرى المراقبون ان اعلان باراك اوباما سيكون وسطا بين العام الحالي وعام 2011 اي بدء الانسحاب في العام القادم.
ويحاول اوباما انهاء الاشكالية، اي الحرب التي ادت لانقسام المجتمع الامريكي خلال الاعوام الستة الماضية.
وبموجب الخطة سيتم سحب القوات القتالية بحلول اب (اغسطس) عام 2010. وستعطي الخطة القادة العسكريين 3 اشهر اضافية عن الخطة التي تعهد بها اوباما اثناء حملته الانتخابية العام الماضي.
وجاءت خطة اوباما استجابة للقادة الميدانيين الامريكيين في العراق الذين طالبوا بوقت اضافي لتمتين الانجازات الامنية التي تحققت من خلال استراتيجية الدفع بقوات جديدة عام 2007 وادت لتغيير مسار الحرب في العراق. ولكن الخطة تتضمن ايضا الابقاء على وحدات عسكرية سيتم تحديدها من خلال اعادة تعريف مهمة القوات الامريكية من قتالية الى تدريبية واستشارية، وستقوم بملاحقة الخلايا 'الارهابية وحماية المنشآت العسكرية والمدنية في العراق.
وكان اوباما قد التقى وزير الدفاع روبرت غيتس ويتوقع ان ينهي المراجعة للاستراتيجية والاعلان عنها اليوم او عطلة نهاية الاسبوع. ولا يعرف كم عدد القوات الامريكية التي سيتم الاحتفاظ بها وكم من الـ 140 الفاً سيتم سحبها. ويعتقد مستشارو اوباما ان الخطة الجديدة، 19 شهرا ترضي الرأي العام والقادة الميدانيين. ونقلت صحيفة 'نيويورك تايمز' عن مسؤول بارز قوله ان الرئيس دهش من التوافق بين المستشارين العسكريين حول الانسحاب المسؤول والامن للقوات الامريكية 'اعادة الانتشار'. ويرى محللون ان اعادة نشر القوات سيعين على تخفيف الضغوط المالية على الخزانة الامريكية.
ووضع على الطاولة للنقاش ثلاثة خيارات للانسحاب ناقشها مايك مولين قائد القوات المشتركة 16، 19، 23. وتم اختيار 19 كحل وسط. ويتوقع ان تحتفظ الولايات المتحدة بقوات دائمة في العراق تتراوح ما بين 30 الى 55 الف جندي وذلك بعد اعادة تعريف مهمتها، تدريب او حراسة واستشارة عسكرية للقوات العراقية.
وفي تحليل لدروس حرب العراق الامريكية كتب باتريك كوكبيرن في 'اندبندنت' متسائلا ان كانت امريكا وعت الدروس ام لا خاصة ان معظم الجنود الذين سيغادرون العراق سينتهون لمقاتلة طالبان. وقال ان اول درس تعلمته امريكا هو انه من الخطأ التورط في دول 'فاشلة' حيث يفترض ان العراق كان دولة فاشلة، لكن غزو العراق ادى الى خطل الرأي الذي يرى ان التدخل الاجنبي في دول فاشلة سيكون الحل لانه قاد لانهيار كل مؤسسات الدولة. ويقول ان الدروس من لبنان والصومال والعراق تشير الى ان المجتمعات الضعيفة تنظم مقاومة شرسة للدفاع عن نفسها ضد الاجانب. ويقول ان خطأ امريكا كان هو افتراضها ان التناحر الطائفي سيجعلها قادرة على حكم العراق متجاهلة الوطنية العراقية وقدرتها على جمع العراقيين. ويقول ان كل شيء حدث في العراق سيئاً او حسناً كان بسبب الافعال الامريكية. ويعود كوكبيرن لتكرار لازمته التي يكررها في تقاريره الى ان ما حدث في العراق من تراجع العنف وظهور الصحوات وزيادة عدد القوات الامريكية لم يكن السبب في ما حدث بل حسب نظريته هو انتصار الشيعة على السنة. ويشير الى ان التدخل العسكري الامريكي اظهر ان الامريكيين لم يكونوا قادرين على تشكيل الوضع السياسي حسب رؤيتهم.
ويحاول الكاتب عقد مقارنة بين افغانستان والعراق وامكانية وقوع اوباما في اخطاء مثل سلفه وان زيادة عدد القوات الامريكية المزمع هنا قد يؤدي الى ردة فعل وما قد يحدث هو ما قوى حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وجيش المهدي في العراق.
جاك سترو وسرية الحرب
من جهة اخرى اثار قرار وزير العدل البريطاني جاك سترو، وموقفه من اوراق المداولات والاوراق التي تتعلق بمواقف الحكومة البريطانية وتحضيرتها للمشاركة في غزو العراق جدلا كثيرا.
وقد اعلن جاك سترو الذين كان وزيرا للخارجية اثناء الحرب انه سيصوت ضد اي قرار لمجلس العموم لصالح الكشف عن اوراق الحرب على العراق وانه مع الابقاء على سريتها لمدة 30 عاما. ويرى محللون ان الخطوة تعكس محاولة لتجنيب شخصيات شاركت بشكل فاعل في حرب يراها البريطانيون انها كارثة ولم تحقق اي شيء.
ويرى تحليل في صحيفة 'التايمز' ان النقاش الدائر داخل المؤسسة والنخب البريطانية لا زال يتركز حول قانونية الحرب والفشل في العثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق وهما امران لا يثيران اي اهتمام لدى العراقيين الذي يبحثون عن حلول لمشاكل اخرى ناجمة عن الحرب. وكتب ريتشارد بيستون في 'التايمز' قائلا ان اي عراقي يسأل عن قانونية الحرب واسلحة الدمار الشامل سيكون رد فعله الاولي الاندهاش وقد يكون الغضب بسبب استمرار البريطانيين بالانشغال بهذه القضايا. فما يشغل العراقي العادي اليوم هو تأمين الماء الصالح للشرب والكهرباء والبيت الامن.
ويرى ان الحديث عن الظروف التي قادت للحرب ما هي الا مضيعة للجهد والوقت. ويقول ان هناك الكثير من التفاصيل في هذه الفترة التي لا تزال تتحايل على البعض الا ان هناك خلافا حول ما دار داخل الحكومة ومذكرة النصيحة ومداولات الامم المتحدة ومجلس امنها ومواقف شخصيات في الحكومة.
وقد خرج عدد منهم من الحكومة في بريطانيا وبلاد اخرى ويكتبون الان مذكراتهم مثل توني بلير وجورج بوش وجاك شيراك وغيرهارد شرودر، فيما مات اخرون مثل صدام حسين وروبن كوك. والشخصية الوحيد ممن شاركوا في الحرب ومداولاتها هو سيلفيو برلسكوني، رئيس وزراء ايطاليا. فيما ظهرت كتب كثيرة عن الحرب وصنعت افلام وتم اجراء تحقيق عام. ويعتقد ان قرار جاك سترو كي يحتفظ بأوراق الحرب سرية لمدة ثلاثين عاما لا اثر له على احد خارج البرلمان ولا اهمية لها للرأي العام، فكل هذا حدث قبل 3 اعوام. ويعتقد الكاتب ان الحديث عن مبررات الحرب ان كان يجعل بعض النواب مرتاحين وراضين عن انفسهم الا ان النقاش يحرف الانظار عن مهمة اخرى وهي خروج القوات البريطانية من العراق مما يجعل الحديث عما جرى بعد الحرب امرا اكثرا الحاحا واهمية.
فبريطانيا ارسلت الافا من جنودها لجنوب العراق وقتل 179 جنديا فيما جرح الالوف جراح الكثيرين منهم خطيرة. وما نعرفه الان من قصص الجنود الذين عادوا من العراق ان التحضيرات البريطانية لما بعد الغزو لم تكن موجودة ولم تكن هناك ميزانيات لاعادة الاعمار. كما ان الجيش لم يكن مجهزا بالاسلحة المناسبة. وفي النهاية اضطرت القوات البريطانية لعقد صفقة مع الميليشيات وخرجت من ثاني مدينة في العراق وتمركزت في المطار. ولا يوجد اي نقاش حول هذه النقطة المحورية في مسار الحرب. وفي الوقت الذي اعاد فيه الامريكيون كتابة قواعد الحرب تحت قيادة الجنرال ديفيد بترايوس لم يقم البريطانيون بعمل اي شيء. وعندما جاء وقت تدجين البصرة العام الماضي قامت القوات العراقية بمساعدة كبيرة من الامريكيين بأداء المهمة. النقاش المهم هو يجب ان يكون عن اداء القيادة العسكرية وليس تحضيرات ما قبل الغزو، وكيف استطاع الامريكيون تغيير مسار الحرب فيما لم يكن البريطانيون بتجربتهم في العراق سابقا وشمال ايرلندا عاجزين. هذا هو السؤال المهم. ويرى ان تجربة ستة اعوام في العراق ومصاريف هائلة لا تحمل معها ادلة عن انجازات. وفي الوقت الذي لم يحقق البريطانيون اية منافع فايران التي ساعدت المسلحين حصلت على عقد اعمار كبير، ونيكولاي ساركوزي، الذي عارضت بلاده الحرب زار بغداد من اجل عقود النفط. ويعتقد الكاتب ان هناك حاجة لاعادة النظر في قدرة الجيش على التدخل في دول اخرى، فبمقارنة مع تجارب اخرى في سيراليون وكوسوفو والبوسنة وتيمور الشرقية وايرلندا الشمالية فالتدخل في العراق كان كارثيا.
وفي تقرير لصحيفة 'نيويورك تايمز' اظهر ان العراق هو اكثر البلدان تضررا في العالم من تراجع اسعار النفط وان الميزانية العراقية تكافح من اجل الوفاء برواتب الموظفين والقروض المالية. وقد ادى هذا الوضع لتوقف كل المشاريع المتعلقة باعمار البنية التحتية. وجاء هذا ايضا نتاجا لتراجع الدعم الامريكي المالي للحكومة العراقية. وتشير الصحيفة الى ان العراق كان يعوم على بحر من المال في الصيف الماضي عندما كان سعر برميل النفط الخام مئة دولار، مما دعا المشرعين الامريكيين للمطالبة بوقف كل المساعدات الامريكية لان العراق قادر على تمويل مشاريع الاعمار بل ودفع الاموال التي انفقت من اموال دافعي الضرائب الامريكية على الجهود الحربية. والسؤال المطروح الان بعد ستة اشهر هو اثر تراجع اموال النفط خاصة ان الميزانية العراقية تعتمد على النفط وموارده المالية وان كان هذا التراجع سيؤثر على الامن النسبي الذي تحقق في البلاد.
وترى الصحيفة ان الضغوط على الحكومة تتراكم مع تزايد مطالب تحسين الخدمات الاساسية، الماء والكهرباء والتعليم والسكن. ويعتقد المحللون الماليون ان استقرار الوضع الاقتصادي العراقي ضروري لخطط اوباما للعام القادم وحيوية من اجل تخفيض العجز المالي في الميزانية الامريكية. وكان البرلمان العراقي قد ناقش ميزانية الحكومة 62.8 مليار دولار.
وناقش مسؤول عراقي ان الحكومة العراقية يمكنها تخفيض العجز بسحب اموال محفوظة في امريكا هي عوائد النفط التي كانت محل نقد شديد في امريكا العام الماضي. ويخطط العراق لسحب 20 ملياراً في العام الواحد لردم الهوة لكن هذا المبلغ لن يكون كافيا من اجل عمليات الاعمار. وتشير الصحيفة الى ان حصص الكهرباء المتوفرة للمواطنين لا تزال قليلة والحكومة تواجه مشاكل في توفير المياه الصحية.
ويؤكد المسؤولون ان العراق لديه موارد غير النفط مثل الزراعة والصناعة الان وتطوير هذين القطاعين يحتاج لاستثمارات. وفي الماضي كانت الحكومة تخصص اموالا لمشاريع ولا يتم انفاق الاموال، اما الان فالاموال والموارد تجف. ويرى نواب ان الازمة المالية هي كارثة ويتساءلون عما ستفعله الحكومة في الاعوام القادمة.
وجاءت الازمة في وقت سيئ للحكومة بعد زيادتها لرواتب الموظفين العام الماضي حيث تشكل الرواتب نسبة 35 بالمئة من الميزانية العامة. وفي الوقت الذي تتحلل فيه امريكا من مسؤولياتها الامنية يزيد عدد القوات الامنية ووصل الان الى 609 آلاف عنصر مقارنة مع 250 الفاً قبل عامين